مختارات من جمهرة قصص العرب (1)
صفحة 1 من اصل 1
مختارات من جمهرة قصص العرب (1)
مختارات من
جمهرة قصص العرب
تحقيق وتصنيف د. قصي الحسين
نساء بني تميم
قال الشعبي(1) : قال لي شريح : (2 ) يا شعبي ؛ عليكم بنساء بني تميم ، فإنّهن النساء ! قلت .وكيف ذاك ؟ قال : انصرفت من جنازة ذات يوم مُظهرا (3)، فمرت بدور بن تميم ، فإذا امرأة جالسة في سقيفة (4) على وسادة وتجاهها جارية رؤودة (5) ولها ذُؤابة على ظهرها كأحسن من رأيت من الجواري ، فاستقيت – وما بي من عطش – فقالت : أي الشراب أعجب إليك ؟ آالنبيذ أم اللبن أم الماء ؟ قلت : أيّ ذلك تيّسر عليكم . قالت : اسقوا الررجل لبنا ؛ فإني إخاله غريبا . فلما شربت نظرت إلى الجارية فأعجبتني ، فقلت : من هذه ؟ قالت : ابنتي . فقلت : وممن ؟ قالت . زينب بنت حُدير(6) ، إحدى نساء بني تميم . قلت أفارغة أم مشغولة ؟ قالت : بل فارغة . قلت : أتزوجينها ! قالت : نعم ، إن كنت كفئا ؛ ولها عم فاقصده .
وانصرفت إلى منزلي لأقيل فيه ، فامتنعت مني القائلة (7) ، فأرسلت إلى إخواني القرّاء (، ووافيت معهم صلاة العصر ، فإذا عمّها جالس ، فقال : أبا أميّة ؟ حاجتك . فقلت : إليك . قال : وما هي ؟ قلت : ذُكرت لي بنت أخيك زينب . فقال : ما بها عنك رغبة ، ثم زوجنيها . وما بلغت منزلي حتى ندمت وقلت ُ : تزوجت إلى أغلظ العرب وأجفاها ! ثم هممت بطلاقها ، ولكن قلت : أجمعها إلى ، فإن رأيت ما أحب وإلا طلقتها .
ثم مكث أياما حتى أقبل نساؤها يهادينها (9) ، ولما أُدخلت قلت : يا هذه ؛ إن من السنة إذا دخلت المرأة على الرجل أن يصلي ركعتين وتصلي ركعتين ، ويسألا الله خير ليلتهما ويتعوذا به من شرها . فتوضأت ُ فإذا هي تتوضّأ بوضوئي ، وصليّت فإذا هي تصلّي بصلاتي ، ولما قضينا الصلاة قالت لي : إنّي امرأة غريبة ، وأنت رجل غريب لا علم لي بأخلاقك ، فبيّن لي ما تحبّ فآتيه ، وما تكره فأنزجر عنه . فقلت : قدمت خير مقدم ؛ قدمت على أهل دار زوجك سيد رجالهم ، وأنت سيدة نسائهم ، أحبُّ كذا وأكره كذا ، وما رأيت من حسنةٍ فابثثيها ، وما رأيت من سيئة فاستريها .
قالت : أخبرني عن أختانك (10 ) أتحب أن يزوروك ؟ فقلت : إني رجل قاض وما أحب أن تملوني . قالت : فمن تحب من جيرانك يدخل دارك آذنُ له ، ومن تكره أكرهه ؟ قلت : بنو فلان قوم صالحون ، وبنو فلان قوم سوء .
وأقمت عندها ثلاثا ؛ ثم خرجت إلى مجلس القضاء ؛ فكنت لا أرى يوما إلا وهو أفضل من الذي قبله ؛ حتى إذا كان رأس الحول دخلت منزلي امرأة عجوز تأمر وتنهي . قلت : يا زينب ؛ من هذه ؟ قالت : أمي فلانة . قلت : حياك الله بالسلام . قالت : أبا أمية ؛ كيف أنت وحالك ؟ قلت بخير ، أحمد الله . قالت أبا أمية ، كيف زوجك ؟ قلت كخير امرأة .قالت : إن المرأة لا ترى في حال أسوأ خُلُقا منها في حالين : إذا حظيت عند زوجها ، وإذا ولدت غلاماً ، فإن رابك منها ريب فالسوط ، فإن الرجال ما حازت _ والله _ بيوتهم شرا من الورهاء (11) المتد للـه (12) .
قلت : أشهد أنها ابنتك ، فقد كفيتيني الرياضة ، وأحسنتِ الأدب . قالت : أتحب أن يزورك أختانك ؟ قلت متى شاؤوا .
قال شريح : فكانت كل حول تأتينا وتوصي تلك الوصية ، ثم تنصرف . ومكثت مع زينب عشرين عاما ، فما غضبت عليها قط إلا مرة كنت لها فيها ظالما(13) .
(1) عامر بن شرحبيل
(2) شريح بن الحارث أدرك الجاهلية كان أعلم الناس بالقضاء ذا فطنة وذكاء ومعرفة وعقل وإصابة ؛ كما كان شاعرا محسنا
(3) أظهر : دخل في الظهيرة والظهيرة : حد انتصاف النهار
(4) السقيفة : الموضع المظلل
(5) الرؤودة : الشابة الحسناء
(6) زينب بنت حدير: من ربات العقل والرأي
(7) القائلة : نصف النهار وقال قيلاً :نام فيه .
( جمع قرّاء وهم الذين يقرأون القرآن ويتلونه
(9) يقال تهادت المرأة إذا تماديلت في مشيتها
(10) الختن : الصهر أو كل من كان من قبل المرأة
(11) الورهاء: الحمقاء
(12) يقال تدللت المرأة على زوجها ؛ إذا أرته جرأة عليه كأنها تخالفه وما بها خلاف.
(13) قد رووا أن شريحا رأى رجلا يضرب امرأته فقال :
رأيت رجالا يضربون نساءهم === فشلّت يميني يوم أضرب زينبا
أأضربها في غير جرم أتت به ==== إلي فما عذري إذا كنت مذنبا
فتاة تزين الحلي إن هي حليت ==== كأن بفيها المسك خالط محلبا
جمهرة قصص العرب
تحقيق وتصنيف د. قصي الحسين
نساء بني تميم
قال الشعبي(1) : قال لي شريح : (2 ) يا شعبي ؛ عليكم بنساء بني تميم ، فإنّهن النساء ! قلت .وكيف ذاك ؟ قال : انصرفت من جنازة ذات يوم مُظهرا (3)، فمرت بدور بن تميم ، فإذا امرأة جالسة في سقيفة (4) على وسادة وتجاهها جارية رؤودة (5) ولها ذُؤابة على ظهرها كأحسن من رأيت من الجواري ، فاستقيت – وما بي من عطش – فقالت : أي الشراب أعجب إليك ؟ آالنبيذ أم اللبن أم الماء ؟ قلت : أيّ ذلك تيّسر عليكم . قالت : اسقوا الررجل لبنا ؛ فإني إخاله غريبا . فلما شربت نظرت إلى الجارية فأعجبتني ، فقلت : من هذه ؟ قالت : ابنتي . فقلت : وممن ؟ قالت . زينب بنت حُدير(6) ، إحدى نساء بني تميم . قلت أفارغة أم مشغولة ؟ قالت : بل فارغة . قلت : أتزوجينها ! قالت : نعم ، إن كنت كفئا ؛ ولها عم فاقصده .
وانصرفت إلى منزلي لأقيل فيه ، فامتنعت مني القائلة (7) ، فأرسلت إلى إخواني القرّاء (، ووافيت معهم صلاة العصر ، فإذا عمّها جالس ، فقال : أبا أميّة ؟ حاجتك . فقلت : إليك . قال : وما هي ؟ قلت : ذُكرت لي بنت أخيك زينب . فقال : ما بها عنك رغبة ، ثم زوجنيها . وما بلغت منزلي حتى ندمت وقلت ُ : تزوجت إلى أغلظ العرب وأجفاها ! ثم هممت بطلاقها ، ولكن قلت : أجمعها إلى ، فإن رأيت ما أحب وإلا طلقتها .
ثم مكث أياما حتى أقبل نساؤها يهادينها (9) ، ولما أُدخلت قلت : يا هذه ؛ إن من السنة إذا دخلت المرأة على الرجل أن يصلي ركعتين وتصلي ركعتين ، ويسألا الله خير ليلتهما ويتعوذا به من شرها . فتوضأت ُ فإذا هي تتوضّأ بوضوئي ، وصليّت فإذا هي تصلّي بصلاتي ، ولما قضينا الصلاة قالت لي : إنّي امرأة غريبة ، وأنت رجل غريب لا علم لي بأخلاقك ، فبيّن لي ما تحبّ فآتيه ، وما تكره فأنزجر عنه . فقلت : قدمت خير مقدم ؛ قدمت على أهل دار زوجك سيد رجالهم ، وأنت سيدة نسائهم ، أحبُّ كذا وأكره كذا ، وما رأيت من حسنةٍ فابثثيها ، وما رأيت من سيئة فاستريها .
قالت : أخبرني عن أختانك (10 ) أتحب أن يزوروك ؟ فقلت : إني رجل قاض وما أحب أن تملوني . قالت : فمن تحب من جيرانك يدخل دارك آذنُ له ، ومن تكره أكرهه ؟ قلت : بنو فلان قوم صالحون ، وبنو فلان قوم سوء .
وأقمت عندها ثلاثا ؛ ثم خرجت إلى مجلس القضاء ؛ فكنت لا أرى يوما إلا وهو أفضل من الذي قبله ؛ حتى إذا كان رأس الحول دخلت منزلي امرأة عجوز تأمر وتنهي . قلت : يا زينب ؛ من هذه ؟ قالت : أمي فلانة . قلت : حياك الله بالسلام . قالت : أبا أمية ؛ كيف أنت وحالك ؟ قلت بخير ، أحمد الله . قالت أبا أمية ، كيف زوجك ؟ قلت كخير امرأة .قالت : إن المرأة لا ترى في حال أسوأ خُلُقا منها في حالين : إذا حظيت عند زوجها ، وإذا ولدت غلاماً ، فإن رابك منها ريب فالسوط ، فإن الرجال ما حازت _ والله _ بيوتهم شرا من الورهاء (11) المتد للـه (12) .
قلت : أشهد أنها ابنتك ، فقد كفيتيني الرياضة ، وأحسنتِ الأدب . قالت : أتحب أن يزورك أختانك ؟ قلت متى شاؤوا .
قال شريح : فكانت كل حول تأتينا وتوصي تلك الوصية ، ثم تنصرف . ومكثت مع زينب عشرين عاما ، فما غضبت عليها قط إلا مرة كنت لها فيها ظالما(13) .
(1) عامر بن شرحبيل
(2) شريح بن الحارث أدرك الجاهلية كان أعلم الناس بالقضاء ذا فطنة وذكاء ومعرفة وعقل وإصابة ؛ كما كان شاعرا محسنا
(3) أظهر : دخل في الظهيرة والظهيرة : حد انتصاف النهار
(4) السقيفة : الموضع المظلل
(5) الرؤودة : الشابة الحسناء
(6) زينب بنت حدير: من ربات العقل والرأي
(7) القائلة : نصف النهار وقال قيلاً :نام فيه .
( جمع قرّاء وهم الذين يقرأون القرآن ويتلونه
(9) يقال تهادت المرأة إذا تماديلت في مشيتها
(10) الختن : الصهر أو كل من كان من قبل المرأة
(11) الورهاء: الحمقاء
(12) يقال تدللت المرأة على زوجها ؛ إذا أرته جرأة عليه كأنها تخالفه وما بها خلاف.
(13) قد رووا أن شريحا رأى رجلا يضرب امرأته فقال :
رأيت رجالا يضربون نساءهم === فشلّت يميني يوم أضرب زينبا
أأضربها في غير جرم أتت به ==== إلي فما عذري إذا كنت مذنبا
فتاة تزين الحلي إن هي حليت ==== كأن بفيها المسك خالط محلبا
زقولو- المساهمات : 10
تاريخ التسجيل : 20/03/2010
الموقع : مصنع سكر حلفا الجديدة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى