مختارات من جمهرة قصص العرب (2)
صفحة 1 من اصل 1
مختارات من جمهرة قصص العرب (2)
موت عاشقين
حدّث محمد بن قيس قال : وجّهني عامل المدينة إلى يزيد بن عبد الملك _وهو إذا ذاك خليفة _ فلما خرجتُ عن المدينى إذا أنا بامرأة جالسة على الطريق ، وشاب نائم ، وهو يتلوى ، ورأسه يسقط في حجرها ، وكلما سقط أعادته مكانه فسلّمتُ ، فردت السلام _ والشاب مشغول ٌ بنفسه _ فسألتها عنه ، فقالت : يا عبيد الله ؛ هل لك في الأجر والمثوبة ؟ فقلت : لا أبغي سواهما .
قالت : هذا ولدي ، وكانت له ابنة عم تربيا معا ، وشُغفت به ، وشُغف بها ، وعلم بذلك أبوها ، وعلم بها أهل المدينة ؛ فحجبها عنه ، وكان يأتي الموضع والخباء (1) فيبكي ، ثم خطبها من أبيها ، فأبى أن يزوجه ؛ لأنّا نرى ذلك عيبا ، أن تزوّج المرأة لرجل كلن يحبها . ثم خطبها رجل غيره ؛ فزوّجهاأبوها منه منذ خمسة أيام ، وهو على ما ترى ؛ لا يأكل ولا يشرب ولا يعقل ، فلو نزلت إليه ، وتحدثت معها ووعظته وسليته ، فلعله يسكن إلى حديثك ، ويتقّوت بشيء من الطعام !
قال محمد : (2) فنزلت ودنوت منه ، وتلطفت به ؛ فرجّع إلىّ طرفه وقال بصوت حزين :
ألا مــــا للــمليحة ِ لا تعودُ ! === أنُجلٌ بـالـمليحة أم صدودُ ؟
مرضتُ فعادني أهلي جميعا === فما لكِ لا نرى فيمن يعود !
فـقـدتـُكِ بينهـم فبكـيت شوقاً،=== وفـقـدُ الإلف يا سلمى شديد ُ
وما استبطأتُ غيرك فاعلميه ===وحولي من ذوي رحمي عديدُ
فلو كنتِ المريضة كنت أسعى === إليك ولم يُنَهْتِهنِي الوعيد ُ!
ثم سكن ، فنظرت المرأة إلى وجهه وصرخت وقالت : والله فاضت نفسه ! قالتها والله ثلاث مرات . فغشيني من ذلك همّ وغم ّ . ولما رأت العجوز ما حل بي عليه من الحزن قالت : يا ولدي ؛ هوّن عليك ، والله لقد استراح مما كان فيه ، عاش بأجل ، ومات بقدر ، وقدم على رب كريم ، واستراح من تباريحه وغصصه ، فهل لك في استكمال الأجر ؟ قلت : قولي ما أحببت ، قالت : هذا الحي منك قريب ، فإن رأيت أن تمضي إليهم تنعيه لهم ، وتسألهم الحضور ليعينوني على مواراته فافعل .
قال محمد : فركبت وأتيت الحي ، فنعيته لهم ، وأخبرتهم بصورة أمره ، فبينا أنا أدور في الحي إذا أنا بامرأة خرجت من خبائها تجر خمارها ، ناشرة شعرها ، فقالت لي : أيها الناعي ؛ من تنعي ؟ فقلت فلان ، فقالت : بالله عليك ، مات! فقلت : نعم ، قالت : هل سمعت منه شيئا قبل موته ؟ قلت نعم ، وأنشدتها الشعر ، فاستعرت باكية ، وأنشأت تقول:
عداني أن أزورك يا حبيبي === معاشر كلّهم واش حسود ُ
أشاعوا ما علمت من الرزايا === وعابونا ، وما فيهم رشيد
فأمـا إذ ثـويت الـيـوم لــــحدا === فـدور الـناس كلـهم لحود
فلا طــابت لي الدنــيا حــياة === ولا سحّت على الأرض الرعود
ثم خرجت مع القوم وهي تولول حتى انتهينا إلى الغلام ، فغسلم=ناه وصلينا عليه ودفناه ، فلما تفرقنا عن قبره جعلت تصرخ وتلطم .
ثم ركبت ُ ومضيت ، وهي على تلك الحال . فأتيت يزيد بن عبد الملك وناولته الكتاب ، فسألني عن أمور الناس وما رأيته في طريقي ، فأخبرته الخبر ، فقال لي : يا محمد ؛ امض الساعة قبل أن تشتغل في غير هذا حتى تمرّ بأهل الفتى وبنى عمه وتمضي بهم إلى عامل المدينة ، فتأمره أن يُثْبِتَهُم في شرف العطاء ، وإن كان أصاب الجارية ما اصابه فافعل بأهلها كما فعلت بأهله ؛ وارجع حتى تخبرني بالخير ، وتأخذ جواب الكتاب .
قال محمد : فخرجت حتى انتهيت إلى قبر الغلام ، فوجدت بجانبه قبرا آخر ، فسألت عنه ، فقالوا : هذا قبر الجارية ، لم تزل تصرخ وتلطم حتى فاضت نفسها ، ودفنت بجانبه ، فدفعت أهلهما ومضيت بهم إلى عامل المدينة ، فأثْبَتَهُم في شرف وعطاء ، وعدت فأخبرته ، فأجازني على ذلك جائزة حسنة (3).
(1) الخباء من الأبنية ، يكون من وبر أو صوف أو شعر.
(2) هو محمد بن قيس ، كان يشتغل عند عامل المدينة في ايام يزيد بن عبد الملك . نهاية الأرب 2/187.
(3) نهاية الأرب : 2/ 187
[center]
حدّث محمد بن قيس قال : وجّهني عامل المدينة إلى يزيد بن عبد الملك _وهو إذا ذاك خليفة _ فلما خرجتُ عن المدينى إذا أنا بامرأة جالسة على الطريق ، وشاب نائم ، وهو يتلوى ، ورأسه يسقط في حجرها ، وكلما سقط أعادته مكانه فسلّمتُ ، فردت السلام _ والشاب مشغول ٌ بنفسه _ فسألتها عنه ، فقالت : يا عبيد الله ؛ هل لك في الأجر والمثوبة ؟ فقلت : لا أبغي سواهما .
قالت : هذا ولدي ، وكانت له ابنة عم تربيا معا ، وشُغفت به ، وشُغف بها ، وعلم بذلك أبوها ، وعلم بها أهل المدينة ؛ فحجبها عنه ، وكان يأتي الموضع والخباء (1) فيبكي ، ثم خطبها من أبيها ، فأبى أن يزوجه ؛ لأنّا نرى ذلك عيبا ، أن تزوّج المرأة لرجل كلن يحبها . ثم خطبها رجل غيره ؛ فزوّجهاأبوها منه منذ خمسة أيام ، وهو على ما ترى ؛ لا يأكل ولا يشرب ولا يعقل ، فلو نزلت إليه ، وتحدثت معها ووعظته وسليته ، فلعله يسكن إلى حديثك ، ويتقّوت بشيء من الطعام !
قال محمد : (2) فنزلت ودنوت منه ، وتلطفت به ؛ فرجّع إلىّ طرفه وقال بصوت حزين :
ألا مــــا للــمليحة ِ لا تعودُ ! === أنُجلٌ بـالـمليحة أم صدودُ ؟
مرضتُ فعادني أهلي جميعا === فما لكِ لا نرى فيمن يعود !
فـقـدتـُكِ بينهـم فبكـيت شوقاً،=== وفـقـدُ الإلف يا سلمى شديد ُ
وما استبطأتُ غيرك فاعلميه ===وحولي من ذوي رحمي عديدُ
فلو كنتِ المريضة كنت أسعى === إليك ولم يُنَهْتِهنِي الوعيد ُ!
ثم سكن ، فنظرت المرأة إلى وجهه وصرخت وقالت : والله فاضت نفسه ! قالتها والله ثلاث مرات . فغشيني من ذلك همّ وغم ّ . ولما رأت العجوز ما حل بي عليه من الحزن قالت : يا ولدي ؛ هوّن عليك ، والله لقد استراح مما كان فيه ، عاش بأجل ، ومات بقدر ، وقدم على رب كريم ، واستراح من تباريحه وغصصه ، فهل لك في استكمال الأجر ؟ قلت : قولي ما أحببت ، قالت : هذا الحي منك قريب ، فإن رأيت أن تمضي إليهم تنعيه لهم ، وتسألهم الحضور ليعينوني على مواراته فافعل .
قال محمد : فركبت وأتيت الحي ، فنعيته لهم ، وأخبرتهم بصورة أمره ، فبينا أنا أدور في الحي إذا أنا بامرأة خرجت من خبائها تجر خمارها ، ناشرة شعرها ، فقالت لي : أيها الناعي ؛ من تنعي ؟ فقلت فلان ، فقالت : بالله عليك ، مات! فقلت : نعم ، قالت : هل سمعت منه شيئا قبل موته ؟ قلت نعم ، وأنشدتها الشعر ، فاستعرت باكية ، وأنشأت تقول:
عداني أن أزورك يا حبيبي === معاشر كلّهم واش حسود ُ
أشاعوا ما علمت من الرزايا === وعابونا ، وما فيهم رشيد
فأمـا إذ ثـويت الـيـوم لــــحدا === فـدور الـناس كلـهم لحود
فلا طــابت لي الدنــيا حــياة === ولا سحّت على الأرض الرعود
ثم خرجت مع القوم وهي تولول حتى انتهينا إلى الغلام ، فغسلم=ناه وصلينا عليه ودفناه ، فلما تفرقنا عن قبره جعلت تصرخ وتلطم .
ثم ركبت ُ ومضيت ، وهي على تلك الحال . فأتيت يزيد بن عبد الملك وناولته الكتاب ، فسألني عن أمور الناس وما رأيته في طريقي ، فأخبرته الخبر ، فقال لي : يا محمد ؛ امض الساعة قبل أن تشتغل في غير هذا حتى تمرّ بأهل الفتى وبنى عمه وتمضي بهم إلى عامل المدينة ، فتأمره أن يُثْبِتَهُم في شرف العطاء ، وإن كان أصاب الجارية ما اصابه فافعل بأهلها كما فعلت بأهله ؛ وارجع حتى تخبرني بالخير ، وتأخذ جواب الكتاب .
قال محمد : فخرجت حتى انتهيت إلى قبر الغلام ، فوجدت بجانبه قبرا آخر ، فسألت عنه ، فقالوا : هذا قبر الجارية ، لم تزل تصرخ وتلطم حتى فاضت نفسها ، ودفنت بجانبه ، فدفعت أهلهما ومضيت بهم إلى عامل المدينة ، فأثْبَتَهُم في شرف وعطاء ، وعدت فأخبرته ، فأجازني على ذلك جائزة حسنة (3).
(1) الخباء من الأبنية ، يكون من وبر أو صوف أو شعر.
(2) هو محمد بن قيس ، كان يشتغل عند عامل المدينة في ايام يزيد بن عبد الملك . نهاية الأرب 2/187.
(3) نهاية الأرب : 2/ 187
[center]
زقولو- المساهمات : 10
تاريخ التسجيل : 20/03/2010
الموقع : مصنع سكر حلفا الجديدة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى